احتفل موقع «جوجل» أمس، بيوم ميلاد الأديبة مى زيادة التى ظلمناها بالإهمال، كما ظلمها أقاربها واتهموها بالجنون، وحبسوها عامين فى مستشفى الأمراض العقلية بلبنان، الحياة الدراماتيكية العنيفة لهذه الأديبة تصلح مسلسلاً رائعاً، ولا أعرف لماذا حتى الآن لم يخرج المسلسل الذى كتبه السيناريست عاطف بشاى عنها إلى النور؟ فتاة ولدت فى فلسطين وتعلمت فى لبنان وعاشت فى مصر، تتقن ست لغات، تقتحم المجتمع الذكورى وتفرض عليه احترام عقلها وثقافتها وتستضيف قمم الفن والأدب فى صالونها كل ثلاثاء، تحب «جبران» بالمراسلة لمدة عشرين عاماً وبينهما آلاف الأميال، بعد رحيل «جبران» دخلت فى اكتئاب أكمل دائرته الجهنمية أهلها الذين سجنوها فى المستشفى!! قمة الدراما وقمة المأساة.

تضامناً مع «جوجل» الذى تذكرها فى زمن الجحود، الذى يعتبر الحب رجساً من عمل الشيطان سأحاول نشر فقرات من الرسائل المتبادلة بين «مى» و«جبران»، تقول «مى»: «قلبى يسير إليك، وخير ما يفعل هو أن يظل حائماً حواليك، يحرسك ويحنو عليك... غابت الشمس وراء الأفق، ومن خلال السحب العجيبة الأشكال والألوان حصحصت نجمة لامعة واحدة هى الزهرة، آلهة الحب، أترى يسكنها كأرضنا بشر يحبون ويتشوقون؟ ربما وجد فيها بنت هى مثلى، لها جبران واحد، حلو بعيد هو القريب القريب، تكتب إليه الآن والشفق يملأ الفضاء، وتعلم أن الظلام يخلف الشفق، وأن النور يتبع الظلام، وأن الليل سيخلف النهار، والنهار سيتبع الليل مرات كثيرة قبل أن ترى الذى تحب، فتتسرب إليها كل وحشة الشفق، وكل وحشة الليل، فتلقى بالقلم جانباً لتحتمى من الوحشة فى اسم واحد: جبران».

يرد «جبران» برسالة يقول فيها: «نحن اليوم رهن عاصفة ثلجية جليلة مهيبة، وأنت تعلمين يا مارى أنا أحب جميع العواصف وخاصة الثلجية، أحب الثلج، أحب بياضه، وأحب هبوطه، وأحب سكوته العميق، وأحب الثلج فى الأودية البعيدة المجهول حتى يتساقط مرفرفاً، ثم يتلألأ بنور الشمس، ثم يذوب ويسير أغنيته المنخفضة. أحب الثلج وأحب النار، وهما من مصدر واحد، ولكن لم يكن حبى لهما قط سوى شكل من الاستعداد لحب أقوى وأعلى وأوسع.

ما ألطف من قال: يا مى عيدك يوم.. وأنت عيد الزمان انظرى يا محبوبتى العذبة إلى قدس أقداس الحياة، عندما بلغت هذه الكلمة (رفيقة) ارتعش قلبى فى صدرى، فقمت ومشيت ذهاباً فى هذه الغرفة كمن يبحث عن رفيقه. ما أغرب ما تفعله بنا كلمة واحدة فى بعض الأحايين! وما أشبه تلك الكلمة الواحدة برنين جرس الكنيسة عند الغروب! إنها تحول الذات الخفية فينا من الكلام إلى السكوت، ومن العمل إلى الصلاة.

قولين لى إنك تخافين الحب، لماذا تخافين يا صغيرتى؟.. أتخافين نور الشمس؟.. أتخافين مد البحر؟.. أتخافين مجىء الربيع؟.. لماذا يا ترى تخافين الحب؟.

أنا أعلم أن القليل من الحب لا يرضيك، كما أعلم أن القليل فى الحب لا يرضينى، أنت وأنا لا ولن نرضى بالقليل. نحن نريد الكثير. نحن نريد كل شىء. نحن نريد الكمال. أقول يا مارى إن فى الإرادة الحصول، فإذا كانت إرادتنا ظلاً من أظلال الله، فسوف نحصل بدون شك على نور من أنوار الله.

لا تخافى الحب يا مارى، لا تخافى الحب يا رفيقة قلبى، علينا أن نستسلم إليه رغم ما فيه من الألم والحنين والوحشة، ورغم ما فيه من الالتباس والحيرة، اسمعى يا مارى: أنا اليوم فى سجن من الرغائب، ولقد ولدت هذه الرغائب عندما ولدت. وأنا اليوم مقيد بقيود فكرة قديمة، قديمة كفصول السنة، فهل تستطيعين الوقوف معى فى سجنى حتى نخرج إلى نور النهار؟ وهل تقفين إلى جانبى حتى تنكسر هذه القيود فنسير حرين طليقين نحو قمة جبالنا؟ قربى جبهتك، قربى جبهتك الحلوة – والله يباركك ويحرسك يا رفيقة قلبى الحبيبة».